بيان مؤسّسة أديان لحماية الحريات والعيش معًا بسلام
أمام الواقع السيّء الذي يعيشه لبنان، نتيجة الفساد السياسي والمالي المتراكم، والذي تتحمّل مسؤوليته الطبقة السياسيّة مجتمعة، كونها المؤتمنة باسم الشعب على تحقيق الصالح العام عبر حَوكمة رشيدة وسياسات نزيهة تعزّز التنمية وتضمن العدالة الاجتماعية للجميع،
وبسبب استمرار تردّي الأوضاع الذي يدفع بالناس كل يوم نحو مزيد من الفقر والجوع والبطالة، ويسبّب في تعثّر العديد من المؤسّسات والمصانع وإقفال قسم منها، ويزيد من قلق المواطنين والمواطنات على مستقبلهم ومستقبل أولادهم، ويجعل خيرة شبابنا وشاباتنا تبحث عن ملاذ خارج الوطن،
ولما شهدناه بالأمس من خطابات تعبّر عن اصطفافات وانقسامات مذهبيّة تسجن أصحابها في دائرة الطائفيّة البغيضة، ومن استعراضات واستفزازات تعيد فتح جراح الحرب الأهليّة، ومن تعرّض للرموز الدينيّة، وصولًا إلى استخدام السلاح المتفلّت بين الناس ووقوع جرحى بين المواطنين،
تهيب مؤسّسة أديان بالجميع، لكي يتحمّل كل شخص مسؤوليّته الخطيرة، والالتزام بالمسلك والمبادئ التي تقي لبنان من الانهيار الكامل وأتون الحرب والصراعات الأهليّة، وللعمل معًا على وضع لبنان على مسار النهوض والتعافي مهما كلّف ذلك من تضحيات. ولذلك تتوجّه أديان:
إلى المواطنين والمواطنات الذين يناضلون بهدف تغيير الواقع السياسي المريض، واستئصال الفساد من جسم الوطن ومؤسّساته، لنطالبكم بالتمسّك بتضامنكم العابر للمناطق والطوائف على مثال الفقر الذي يضرب الجميع بدون تمييز، والتنبّه من الاستغلال السياسي والطائفي لانتفاضتكم، والمحافظة على سلميّة تحركاتكم عبر رفضكم لكل أشكال العنف والتخريب؛
إلى الجيش والقوى الأمنيّة والهيئات القضائية، لنقول لكم أنّنا نثمّن جهودكم وتضحياتكم في أداء مهامكم، ونذكّركم بأنّ حريّة التعبير مقدّسة في الدستور والتظاهر السلمي حقّ لكل المواطنين، فنحن نعتمد عليكم برفض القمع أو المسّ بالحريات بأي شكل من الأشكال، ونطالبكم بردع جميع المعتدين الذين يمارسون العنف ويستعملون السلاح ومحاسبتهم، لأنّ التساهل في هذا الأمر ينذر بعواقب خطيرة، فحيث تتراجع الدولة تتقدّم الحرب الأهلية؛
إلى وسائل الإعلام والعاملين فيها والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، لنطالبكم بأن تكونوا دومًا الأداة والمساحة لتحفيز الحوار البنّاء الذي ينقلنا من المأساة التي نعيش اليوم إلى استشراف مستقبل أفضل. فإن كانت تغطية الأحداث من أولى مهامكم، لكن إبراز الآراء والمواقف العقلانيّة التي تُصوّب النقاش لدى الرأي العام على أسس القيم والمبادئ الوطنية هي أيضًا في أساس رسالتكم المهنيّة. ونطالبكم بأن تضعوا في رأس أولوياتكم ألا تقعوا في نقل الأخبار المزيّفة والمفبركة أو في إثارة النعرات الطائفيّة والترويج لخطابات الكراهية، وقد يُسبّب أي خطأ في هذا المجال بإشعال حرب مدمّرة؛
إلى المرجعيّات الروحية على كل المستويات، للتمسّك بخطاب القيم المشتركة والمسؤولية الاجتماعية الدينية وسحب الذريعة علنًا من كل من تُسوّله نفسه استغلال الدين أو المذهب للتعرّض لرموز الآخرين الدينيّة والدعوة إلى التفرقة وذرّ بذار الفتنة بين الناس، ولرفع الغطاء الطائفي عن كل مسؤول متورّط بالفساد، ولدعوة الجميع للتمسّك بلبنان كوطن نهائي لجميع أبنائه، وبالدولة المدنيّة الراعية بالعدل لمصالح جميع مواطنيها وكرامتهم وليس كرعايا لطوائف متناحرة؛
إلى المنتمين إلى مؤسّسة أديان والعاملين فيها وأعضاء الشبكات والمنتديات والبرامج في لبنان المرتبطة بها، لندعوكم في هذا الظرف الدقيق لأن تتمسّكوا بقيم المؤسّسة: التنوّع والتضامن والكرامة الإنسانيّة، وتستمرّوا في شهادتكم بالقول والفعل أمام الآخرين بأنّ خيار العيش معًا بسلام في ظل المواطنة الحاضنة للتنوّع هو الخيار الأفضل للجميع، وبأنّ النضال من أجل ذلك على اختلاف المواقف والآراء حقّ لا بل واجب مقدّس من أجل إنقاذ مجتمعنا من الفساد والانقسامات الطائفيّة وبناء الدولة التي تحقّق كرامة كل إنسان.